السلام عليكم.. أنا عندي مشكلة كبيرة جداً، هي إن
لي أخ مع الأسف مش محترم خالص.. إحنا بنتين وولد، وهو أصغرنا، عنده 24
سنة، مارضيش يكمّل تعليمه بعد الثانوية العامة.
عدم التعليم مش مشكلة؛ بس المشكلة في ضياع
أخلاقه، وممكن الواحد يتصور كل حاجة وحشة هو عملها؛ من سرقة، ونصب، وشرب
مخدرات.. بجد أنا مش عارفة هو إزاي وصل لكده، إحنا بجد عيلة محترمة جداً،
وساكنين في حتة كويسة، ومتوسطي الحال، وربنا مسهلها معانا.
يمكن بابا كان قاسي عليه في الطفولة؛ بس ده مش
سبب للي هو بيعمله؛ خسر دينه، وأغضب والديه، ومش عامل احترام لحدّ.. أنا
عارفة إنه مريض نفسي؛ بس بجد هو مش عاوز يتعالج، ولا حتى حد يساعده، وكل ما
ننصحه يقول لنا: إنتم مش عارفين حاجة.
دايماً باصص لفوق، كل يوم عاوز فلوس بالـ50 جنيه،
وساب شغله، ومستعدّ حتى يسرق أو يقتل علشان الفلوس، ومش عاوزة أقول على
قلة الأدب اللي بنشوفها لما يتعصب، ونضطر نسيب له البيت في الفجر علشان
إيده ماتطولش علينا.
مش قادرة أشوف ماما بتتعذب، وبابا خلع إيده خالص
من الموضوع وقال لها: ده ابنك وده نتيجه دعايا عليكِ؛ يعني هو ابنها
لوحدها؟! ولا بيسيء لها هي وبس؟! مع إنه كان السبب الأساسي في اللي حصل
بسبب قسوته عليه، وكان كل ما يزعل من ماما يضربه علشان هي بتحبه أكتر.
المشكلة إننا مش عارفين نعالجه إزاي، ومش لاقيين
حل.. الناس بتيجي تخبّط علينا وعاوزين منه فلوس، وواخد كذا حاجة من البيت
باعها.. وحاجات كتير جداً مش هاقدر أعدها.. أرجوكم تساعدوني.
R.M أبدأ بإبداء تعاطفي التام معكم في معاناتكم التي أشعر بها جيداً وأدعو
لكم من كل قلبي بالتوفيق في حماية أنفسكم من الخسائر، وبمساعدة أخيك في
الشفاء من الإدمان؛ فالإدمان هو السبب الرئيسي لما يفعله من نصب وسرقات.
وبكل الود والاحترام لكم، أتمنى مراجعة تفكيركم من هذه المحنة، وتغيير تصرفاتكم مع أخيك..
ولنبدأ بالتفكير: فأتمنى التوقف عن اتهام والدك وحده بأنه هو السبب
الرئيسي في إدمان أخيك؛ فلا شك أن القسوة وحدها ليست سبباً في الإدمان، كما
أن والدتك لم تكن موفّقة بالتأكيد عندما كانت تحب شقيقك أكثر مما تحبكما
أنت وأختك؛ فالتدليل الزائد والتعامل مع الابن بمنطق "مهما فعلت من أخطاء
فإنني لن أعاقبك وسأستمر في تدليلك" يحرّضه على التمادي في الأخطاء، ويجعله
أكثر ضعفاً أمام الإغراءات المختلفة، ويدفعه للبحث عن المزيد من المتع أو
ما يتوهم أنها متع مثل المخدرات.. وهو ما حدث مع أخيك.
ولا أقول هذا ليتحول غضبك من والدك إلى أمك، أو لتبرئة شقيقك من
مسئوليته عما يفعله في حق نفسه؛ فمن المؤكد أن هناك مَن تعاملوا مع التدليل
بصورة ذكية، وجعلوه حافزاً لإسعاد أنفسهم وأُسرهم، وهناك من رفضوا التوقف
عند القسوة أو السماح لها بتدمير حياتهم.
وأتمنى تذكّر ذلك لتتوقفي أنت وأختك فوراً عن اتهام والدك بإفساد
أخيكما؛ حتى لا تتورطا -لا قدر الله - في جريمة عقوق الوالدين مع والدكما،
وقد قيل: إن مجرد تقطيب الوجه (التكشير) مع الوالدين يكون من العقوق..
ويصعب أن تنالا ثواب البر بوالدكما وأنتما تشعران أنه السبب في معاناتكم.
ولا أبرر بالطبع تخلي والدك عن مسئوليته في إنقاذ أخيك؛ فهذا أمر مرفوض؛
ولكن الخالق عز وجل وحده هو الذي يحاسب عباده، وليس من حق الأبناء محاكمة
آبائهم وأمهاتهم، وليس من العدل الانحياز إلى والدتكم؛ مما يضاعف من اشتعال
النيران في منزلكم؛ بدلاً من تهدئتها بالتوقف التام عن لوم الوالدين
والتعلم من أخطائهما سوياً في التربية، والاستعانة بالرحمن؛ حتى تنعمي
بحياة أفضل أنت وأختك بعد الزواج والإنجاب بمشيئة الرحمن.
كما أتمنى التوقف عن التفكير بأن أخاك شخص غير محترم؛ فهذا التكفير
يجعلكم تتعاملون معه بعدم احترام؛ مما يجعله يتمادى؛ ولو من قبيل العناد..
وأتمنى أيضاً التوقف عن التعامل معه على أنه شخصية مريضة جداً؛ حتى لا يتمّ
تبرير تصرفاته وكأنها قَدَر لا يمكن الفكاك منه.
والحقيقة أنه يمرّ بظروف سيئة، ولا شك أن عدم إكماله لدراسته أسهم بصورة
ما في عدم احترامه لنفسه، وهو الشعور الذي يصاحب معظم المدمنين، ويجعلهم
يسعوْن للمخدرات ليهربوا من الواقع الذي لا يحبونه، أو لملء شعورهم
بالفراغ.
وأهمس لكم بكل الود والاحترام: أن عدداً قليلاً من البشر يرحّبون
بالنصائح؛ الصغار منهم أو الكبار، وأقلّ القليل الذين يعترفون بأخطائهم.
لذا يجب أن تهتموا بحسن اختيار أسلوب الكلام مع شقيقك، والابتعاد تماماً
عن الصوت العالي أو الحدّة، وتجنب علامات الغضب على الوجه، أو الإشاحة
باليدين وما شابه ذلك، والتوقف عن قول جمل مثل: "لماذا تفعل بنا ذلك؟"،
"لقد جلبت لنا العار"، "أنت إنسان غير محترم"، "لقد أصبحت أقلّ في جميع
النواحي من كل أصحابك الذين نتفوق عليهم أخلاقياً واجتماعياً ومادياً".. أي
التوقف عن إثارة غضبه باللوم والانتقاد الحادّ له، أو إهانته بالقول أو
بالفعل..
وأكاد أسمعك تقولين: ولكنه يستحقّ ذلك وهذا ليس عدلاً.. وأردّ بالود
والاحترام: ولكنكم تستحقون حياة أفضل، ولن تحصلوا عليها بالاستمرار في
الصراعات معه..
وهذا لا يعني بالتأكيد الاستسلام لما يريده؛ ولكن لا بد من تغيير كافة
تصرفاتكم معه؛ مع إشعاره بحبكم له، دون أية شروط مسبقة، والاهتمام بشئونه
الخاصة من ملبس ومأكل وحُسن معاملته، وإخباره بلطف وبأقل قدر ممكن من
الكلمات بما لا يتجاوز أقلّ قدر ممكن من الدقائق في أنكم تحبونه، وأنه
يستحقّ حياة أفضل ليحمي نفسه من أخطاء المخدرات، التي تسرق منه صحته
النفسية والجسدية، وتقلل من فرصته مادياً وصحياً في الزواج والاستمتاع
بحياته، وأنكم مستعدون لمساعدته متى رغب في الإقلاع عن المخدرات..
ولا بد من تكرار ذلك على فترات متباعدة بعض الشيء، والتوقف عن إشعاره
بأنه شخص يتسبب لكم في الإيذاء، وأنه غير مرغوب فيه؛ حتى لا تزيدوا من
لجوئه للمخدرات ليواصل المزيد من الهروب..
مع الحرص التام على ممتلكاتكم لتقليل سرقاته، وتشجيعه -بلطف ودون إلحاح-
على العودة للعمل، والتوقف التام عن الحديث معه بأنه يخسر دينه وحب
والديه، أو يتسبب في الفضائح لكم.. والتركيز فقط على أنه يخسر دنياه وحده،
وأنه سيندم ندماً بشعاً -لا قدر الله- إذا تمّ القبض عليه بتهمة التعاطي،
أو إذا تدهورت صحته، أو تمّ القبض عليه بسبب النصب أو السرقات..
وأود تحسين علاقتكم به تدريجياً، وإشعاره بالحب، والتوقف التام عن
الجدال معه عندما يكون عصبياً، وتجنب الكلام الكثير معه، والاكتفاء بأقل
قدر من الكلام لتقليل تطاوله سواء بالكلام أو بالأيدي؛ مع الحزم معه،
والحزم يختلف تماماً عن العدوانية أو الإهانات.. ولا أحب ترككم للبيت منعاً
لضربه لكم، والأفضل تجنّب تطور الحوار الغاضب إلى ما هو أسوأ.
وقد ثبت لكم بالتجربة أن أسلوب اللوم والانتقاد لم يؤدِ إلى نتائج
إيجابية؛ لذا لا بد من تغيره بالاحتواء الذكي والمتدرج، مع عدم توقع نتائج
باهرة في وقت قياسي؛ فهذا أمر غير واقعي.. والاحتفال -دون مبالغة- بأي تقدم
ولو كان بسيطاً، وتذكر أن العلاج سيأخذ بعض الوقت، وتقبّل ذلك برضا؛ لأن
عدم السعي إلى العلاج سيزيد المعاناة.
مع التوقف عن الحديث معه بأنه مخطئ، وأن عليه أن يستمع لنصائحكم،
واستبداله بأنه ذكي، ولديه إمكانات جيدة، وأنها تضيع بسبب المخدرات وبسبب
ابتعاده عن العمل.. ومساعدته بكل السبل ليعود للعمل، ومحاولة شغل أوقات
فراغه بما يفيده ويمتعه من الهوايات أو ممارسة الرياضة البدنية، وإبعاده
بهدوء وبتدرج عن أصحاب السوء، وإشعاره بأنه عضو مهم في الأسرة.
ويمكنكم الاستعانة بأي شاب من الأسرة؛ بشرط أن تكون بينه وبين شقيقك صداقة جيدة.
ومع المواظبة في ذلك ستتمكنون بمشيئة الرحمن من إقناعه بالذهاب لمركز
معالجة الإدمان، وهناك مراكز مجانية وعلى مستوى جيد للغاية تتبع القوات
المسلحة، وأخرى في الجامعات؛ لإعطائه أدوية لمساعدته على التعافي من
الإدمان، بجانب حصوله على جلسات للتدعيم النفسي وأيضاً إفادتكم بأفضل السبل
للتعامل معه.
وأذكركم بأهمية التوقف -وإلى الأبد- عن إخباره بأنه يسيء إليكم،
والتركيز على أنه يؤذي نفسه، وأن بإمكانه الفوز بحياة أفضل، وأنكم جاهزون
دائماً لمساعدته.
وتابعينا بأخبارك لنطمئن عليكم، وهوّني على نفسك، وقولي دائماً: اللهم
يسّر ولا تعسّر، وصلّي أنت وأختك ووالدتك صلاة الحاجة؛ ليمنح الخالق شقيقك
القوة لطرد الإدمان، ويرزقكم أحسن السبل لمساعدتكم، واهتمي أنت وأختك
بتحسين كافة جوانب الحياة، وتوقّفا عن تنفس النكد بسبب ما يفعله شقيقكما،
وحسّنا علاقتكما بوالدك ووالدتك؛ كل على حدة، وحاولا تخفيف المشاكل بينهما؛
لأنها تؤثر دون شك على فرص أخيك في الشفاء.
واحرصوا على أخذ إجازات من التفكير في مشاكل أخيك من وقت لآخر لتحموا
أنفسكم من الضغوط العصبية القاسية، وهذا لا يعني تجاهله بالطبع؛ فخير
الأمور الوسط، وتشبّثوا بحسن الظن بالرحمن، وتفاءلوا بالخير لتجدوه.
وتقبّلوا دعاءنا جميعاً لكم بحياة أجمل وأفضل.. وفقكم ربي وأسعدكم جميعاً.