. أنا شاب عندي 30 سنة، وبابص
على البنات اللي بتمشي في الشارع بدون رغبة في الارتباط بهم، ولكن أنظر
إليهم دائماً لفترة طويلة.
وفي يوم أعجبتني فتاة فأطلت النظر إليها
كثيراً بعدد الأيام التي أراها فيها، فوجدت منها ميولاً للحديث معي
بالنظرات، فوجدت في نفسي أنني لا أريد الارتباط بها، ولكني أنظر إليها
مفتتناً فقط، وأنظر إلى غيرها بنفس الطريقة دائماً.. فهل نظري للفتاة مرض
أو هذا لحبي في التطلّع إلى الجمال فقط أم شهوة عين أم ماذا؟!!
وحاولت
كثيراً التغلّب على هذه المشكلة، ولكن أجد نفسي منجذباً إلى الفتيات
والنظر إليهم لمجرد النظر فقط، مع إني لم أشعر بالمراهقة أو لا أحب
الارتباط الطفولي أو حتى الاستلطاف، ففعلاً مش عارف ده إيه بالظبط يمكن
ألاقي عندكم العلاج؟!!
m_nnصديقي العزيز:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
أعترف أن
رسالتكَ أوقعتني في شرك الجدل بين ما نعتبره مرضاً في الطب النفسي وما
يُعتبر مخالفاً للقيم الدينية والأخلاقية، ذلك الموقف الذي كان يحيّرني
دائماً حينما بدأت العمل في مجال الطب النفسي، والذي يحيّر الكثيرين من
العاملين في المجال النفسي والذين يُؤثِر بعضهم السلامة فيتشدقون ببنود
التشخيص الطب النفسي مع إغفال المسئولية الدينية والخُلقية التي يتحمّلها
المريض؛ معللين ذلك بأن الحديث في الدين أمر ليس من تخصصهم.. لذا اسمح لي
أن نعتبر النقاط التالية في مناقشة مشكلتك:
1- ما هذا الذي تعاني منه (التشخيص).
2- الأسباب والدوافع.
3- العلاج.
4- المسئولية من وجهة النظر الدينية والخُلقية.أولاً: التشخيص:
يمكن
أن نعتبر ما تعاني منه أحد أنواع الوسواس القهري البصري أو وسواس النظر،
واسمح لي أن أسميه مجازاً وسواس النظرا ت المحرّمة.. فهو نصادفه كثيراً في
العيادة النفسية ويختلف عما ذكرته في أن المريض غالباً ما تكون مشكلته في
عدم قدرته على مقاومة رغبته في النظر إلى مكان العورات للرجال أو النساء،
وقد يأتي المريض منهاراً من فرط شعوره بالذنب، فهو سلوك متكرر يلح عليه،
ويعرف أنه خطأ ويُحاول مقاومته، لكن كلما حاول المقاومة زادت حدة القلق
وزاد معدل تكرار السلوك.
لكن في حالتك لم تذكر هل تعاني من مشاعر
الذنب أم لا؟!! وهل تحاول أن تقاوم باستماتة وعزم؟!! وهل تُصاب بالقلق
والاكتئاب كلما تحاول المقاومة وتفشل؟
إن عدم الرغبة في المقاومة
المستمرة يُعدّ إحدى العلامات السيئة في الوسواس القهري؛ لأنه يعني أن
المريض قد سلم بفقد السيطرة على نفسه.. وهذه مرحلة صعبة في العلاج.
ثانياً: الأسباب والدوافع:
حينما
نتكلّم عن الأسباب نقول إن هناك خللاً كيمايئاً يحدث في المرسلات
الكيمائية في المخ، لكن هل هذا الخلل هو السبب أم هو نتيجة للرغبات
والأفكار الخبيثة الكامنة في العقل الباطن أو اللاشعور؟! لا أحد يستطيع
الجزم بذلك، لكن دعنا نتكلّم عن الأسباب من منظور علم النفس وليس من
المنظور الكيمائي..
وهنا نقول من يعاني مثل هذه الأعراض لم ينجح
لديه الأنا الأعلى أو الضمير في كبح جماح الرغبات المكبوتة في الجزء
اللاواعي من العقل والذي أسماه فرويد "الهِيَ"، وهي محتوى الجنس والعدوان
وكل المشاعر والرغبات البدائية.. ويمكن أن نقول أيضاً هو صراع خفي بين
الذات الطفلية (الطفل) التي تسعى للمتعة والذات الوالدية التي تسعى لتهذيب
الرغبات وفي كلا التفسيرين ستجد أن المشكلة في أن من يعاني من هذه الأعراض
(وأقصد وسواس النظر) إما أنه يعاني صراعاً مستمراً بين الرغبات الخبيثة
والرغبة في إعلانها وبين الضمير والقيم التي تمنعه من ذلك..
وهذه
المقاومة المستمرة قد تُفرِز أعراضاً أخرى وسواسية أو غير وسواسية كالقلق
والاكتئاب.. أو أن يستسلم للأعراض، ومن استسلم للأعراض فهو يقرر إنهاء
الصراع.. فهل ما زلت تقاوم أم قررت إنهاء الصراع؟
ثالثاً: العلاج:
وهذا
يستلزم زيارة الطبيب النفسي حتى يكون العلاج الكيمائي تحت إشراف طبي،
والعلاج يعتمد على إعطاء مثبطات التقاط (السيروتونين)، وهي المادة
الكيمائية التي يحدث بها الخلل التنظيمي في حالات الوسواس القهري.. والعلاج
الدوائي يحتاج لفترات طويلة لا تقل عن عام، على أن يكون ذلك مدعوماً
بجلسات العلاج النفسي، وخاصة المعرفي السلوكي والذي يهدف إلى تطوير الذات
من خلال الوعي بالأفكار والمشاعر ودوافع السلوك.. إنه يعطيك الفرصة
للاعتراف بينك وبين نفسك بحقيقة أفكارك ودوافع سلوكك بحيث تتخلّى عن النمط
الدفاعي لترى نفسك كما هي ثم تبدأ التدريبات لتعديل السلوك...
ومؤقتاً
وحتى تستطيع زيارة الطبيب النفسي، يمكنك أن تقوم ببعض هذه التدريبات؛ بهدف
تعديل السلوك من خلال التنفير كأن توخز نفسك بدبوس مثلاً كلما شَرَعت في
النظر إلى فتاة - أو تعوّد نفسك أن تأتي بذِكْرى أو موقف مؤلم لك كلما بدأت
في النظر إلى فتاة، ولا أخفيك سراً لقد نجحت -بفضل الله- في أن أجعل إحدى
المريضات تتخلّى تماماً عن وسواس النظرات المحرّمة بأن قلت لها أنتِ إنسانة
محترمة ومتدينة ولن يرضى لك الله أن تستمرى في اقتراف هذا الذنب.. فكّري
فقط في هذا، وكلما شرعتِ في النظرة المحرمة تذكّري أن الله قد يحميكِ من شر
نفسكِ بأن يذهب عنكِ نعمة البصر..
رغم قسوة الفكرة إلا أنها نجحت في منع هذه المريضة من هذا السلوك القهري.. مع العلم بأنها كانت تتناول علاجاً دوائياً أيضاً.
رابعاً: المسئولية الدينية والخُلقية:
هل أنت مسئول عما تفعل؟ ولّا هتقول لأ غصب عني؟
صديقي العزيز:
أنت
مستمتع وتعترف بأنك تنظر مفتتناً، وتقول إن إحدى الفتيات تقرّبت منكَ أي
أن إمعان النظر قد يُوقع الفتيات ظناً منهن أنكَ تريد الارتباط بهن، وهو ما
لا تسعى إليه.. بالله عليكَ ماذا تنتظر أن أقول لك؟ أقول لكَ راقب الله في
أعمالك واطلب منه العفو، وأن ينعم عليك بالتخلّص من داء النفس الأمّارة
بالسوء.
وفّقكَ الله،،،،