أنا
عندي 21 سنة، لسه خريجة السنة دي، حكايتي تبدأ من أول ما دخلت الكلية،
اتعرفت على شاب زميلي أكبر مني بسنة، وحبينا بعض، وكنا متفقين إنه أول ما
يتخرج هيتقدم.. هو اتخرج طبعاً قبلي، وقلت إنه المفروض هينفّذ اللي اتفقنا
عليه؛ لكن طبعاً بسبب ظروف تحديد المصير من ناحية الجيش وناحية الشغل
ماتقدمش.
هو الحمد لله حالياً مسك شغل كويس وأخد إعفا من الجيش؛ يعني مالهوش حِجّة أو مبرر يخلّيه مايسعاش في موضوع الارتباط.
وأنا
خلصت الجامعة بتفوق، ويمكن كان ده سبب في إني أشتغل بسرعة، وتوفيق ربنا في
المقام الأول.. من أول يوم نزلت الشغل، وهو بيتخانق معايا لأتفه الأسباب،
وكل ما يحصل حاجة يقول لي: أنا مش عاجبني الشغل أنا مش عاجبني المواصلات..
أي حاجة يعمل عليها مشكلة وخلاص؛ مع إن الشغل محترم جداً ومواصلاته مريحة
جداً.
كان بيعمل تصرفات غريبة؛ يعني كان يقعد يرنّ لي على تليفون
المكتب على سبيل المعاكسات، وكمان هو كان عارف ميعاد خروجي من الشغل؛ فكان
ييجي قبل الميعاد بنص ساعة أو أكتر ويقول لي: انزلي عشان نروّح سوا.. ومن
هنا كانت بتحصل المشاكل، وأحياناً بانهي المكالمة معاه بسرعة لأني مش هاعرف
أكلّمه أو المكان مش مناسب.. برضه كان بيزعل وما يكلمنيش كذا يوم.
الحال
ده محيرني.. ما دام بيحبني أوي كده وحاسس إني ممكن أضيع منه؛ ليه مابياخدش
موقف إيجابي ويسرّع عملية الارتباط؟ وبعدين حاسة إن موضوع الشغل ده جيه
فرصة أحرّكه بيها؛ بس مش عارفة إزاي.. وليه بيعمل معايا كده مع إن المفروض
إنه عارفني بقالنا أكتر من أربع سنين؛ والمفروض إنه يكون واثق إني بحبه؟
روكة عزيزتي..
أجدني متفقاً معكِ في ضيقك ببطء تَحَرُّك فتاكِ، وأتفق معكِ كذلك في قلقك
من طريقته الخاملة في التعامل مع موضوع من المفترض أن يتمّ التعامل معه
بجدية؛ أعني ارتباطكما.
ولكني ألاحظ أنكِ لم تربطي بين هذا وبين
تصرفاته الغريبة، ومظاهر الضيق والحزن المحيطة به.. وأعتقد أن هناك بعض
الغموض يحيط بسلوكه، وأعتقد أن عليكِ الحديث معه بشأن ذلك الشيء الغامض.
فاتصاله
في محلّ عملك بطريقة المعاكسات، والحصار الذي يفرضه عليكِ، بالإضافة
لتباطئه في موضوع ارتباطكما رسمياً، مع حالة الحزن والشرود المسيطرة عليه؛
كل هذه المظاهر تقول إن هناك ما يستحق منكِ الضغط عليه لمعرفة إجابة السؤال
التالي: "ما الأمر؟".
فلو كان الأمر مقتصراً على التباطؤ؛ لقُلنا
إنه متردد في الاستمرار في علاقتكما، ولو كان ما تَشكِينه ذلك الحصار عليكِ
في الذهاب والإياب؛ لقلنا إنه يعاني غيْرة زائدة؛ ولكن ثمّة ما يُسَمَى
"المتلازمة"؛ أي اجتماع أكثر من عرض لأشياء متنوعة في وقت واحد؛ مما يشي
بشيء أكبر يستحق مزيداً من البحث.
وسلوك فتاكِ به عدة أعراض
متناقضة؛ فبطؤه يوحي باللا مبالاة؛ بينما كثرة اتصالاته وانتظاره لكِ
يعنيان أنه متعلق بكِ.. وأعتقد أن في ذلك التناقض ما يجب أن يثير فضولك
بشدة.
أقترح أن تُبادري بالاتصال به وتطلبي مقابلته، وتصارحيه بكل
هذا، وتسأليه بإلحاح أن يفتح قلبه لكِ ويصارحك بكل ما يدور في ذهنه وما يقع
له، وأن يخبرك بكل شيء يتعلق بسلوكه هذا؛ سواء كان ذلك متعلقاً بعوامل
محيطة به في العمل أو المنزل، أو كان بخصوص أفكار، أو مخاوف تنتابه، أو
ضغوط نفسية يواجهها، أو حتى أخطاء وقع فيها.
وأؤكد أن عليكِ الإلحاح عليه في ذلك؛ ولكن بشكل ذكي لا يجعله يضيق، ويقول أي كلام على سبيل إراحتك وكفي.
ابدئي
بأن تجعليه يشعر بالاطمئنان والراحة النفسية للحديث معكِ، واجعليه يتشجع
على مصارحتك بأي شيء؛ حتى وإن تضمّن حديثه ما يخشى أن يضايقك؛ مُظهرة له أن
ما يهمك بالفعل هو علاقتكما، وأنكِ على استعداد للتعامل بمرونة مع أي شيء
قد يخشى مصارحتك به.. وعليكِ بالفعل أن تلتزمي بذلك؛ فهو ليس مجرد كلام
منكِ لدفعه للحديث.. وأخبريه أنكما ما دمتما قد ارتبطتما عاطفياً؛ فقد زالت
كلمات مثل "أنا وأنت" وحلّت محلّها كلمة "نحن".
ثم بعد ذلك أعطِه
كل تركيزك، واسمعي منه بسعة صدر وصبر أي شيء قد يُدهشك أو يضايقك أو يقلقك،
ولا تقاطعيه أو تتسرعي في تفسير كلامه أو استباق الأحداث؛ حتى ينتهي من
إخراج كل ما في نفسه.
فإن كان ما قال مما يمكنكما مناقشته توًّا
وحَلُّه معاً؛ فتوكّلي على الله، وتحدّثي معه، وناقشيه، وأما إن كانت في
كلامه معطيات قد تؤثر على ارتباطكما؛ فاتركي لنفسك الفرصة بعض الوقت
للتفكير ومراجعة كلامه.. و"بعض الوقت" أعني بها أياماً أو أسابيع، لا لحظات
أو ساعات، أو يوماً واحداً فقط.. ولو احتجتِ عندها من يفكّر معكِ؛ فتوكّلي
على الله وراسلينا، ونحن هنا لمساعدتك بإذن الله تعالى.
هذا هو التحرّك الذي أرى أن عليكِ القيام به حالياً.. فما تحتاجانه حقاً هو فُرصة لتبادل الأفكار.
وليوفقك الله تعالى.. تحياتي.