لم
تشفع لديه توسلات نظرات البراءة فى وجهها الطفولى الجريح، ولا الانكسارات
المدوية فى عينيها الذابلتين، ولا شحوب واصفرار وجهها الناصع المرصع
بتراكمات الماضى الحزين، ولا عباءتها السوداء المجوفة بخروقات زمن الجفاء
البغيض.. لم تكن هذه هى المرة الأولى التى ينقض عليها هذا الوحش الكاسر..
فقد سبق وانقضَّ على أحب الناس لديها ونحره نحرا.. وعندما التجأت لتحتمى
فى ظهر حبيب آخر.. انقضَّ عليه هو الآخر والتهمه التهاما.. وها هى الآن فى
الطل.. فى صحراء هذه الحياة القاحلة وتحت شمسها المحرقة التى لا ترق ولا
ترحم وبردها القارص الذى يجلط دماء العمر فى شرايين حياتها.. فى ظل كل هذا
استحوذ عليها ذلك المارد اللعين محكما قبضة يده المجرمة على روحها
الحريرية الرقيقة النحيلة لتصرخ وتستغيث وتستنجد دون جدوى.. إلى أن تركها
جسدا هائما دون روح.. يبحث عن من يهبه روحا أخرى تمنحه الحياة.. أو عن
مأوى ليوارى فيه سوءته ويحتويه بعد أن استطاع وحش اليتم السحيق أن يقتل
فيه كل حياه ويخلد فيه أصل الموت.