أنا تزوجت وأنا عمري 18 سنة من مدرّس لي
وأنجبت طفلين، وحرمني زوجي أن أستكمل دارستي بالجامعة، وكان عنيفًا إلى
أقصى درجة معي.. كان يسبُّ بالأم والأب، ويضرب، ويرمي يمين الطلاق أكثر من
مرة ولا يعترف.. حتى كرهتُ حياتي وطلبتُ الخلع، وأخد هو الأبناء ..
بعدها
بأربع سنوات زوجني أهلي من أحد أقاربي ولم يكن قد تزوج من قبل، ولكن لم
أشعر تجاهه طوال حياتي سوى بمشاعر الأخوة.. المهم أُرغِمتُ وتزوجته، وظلت
مشاعري الباردة تجاهه.. لم أشعر أني زوجة، بل كان بالنسبة لي مجرد شخص
بالبيت، وهو-مع الأسف- لم يحاول التقرب مني، وإنما فقط كان زواج مصالح
لفارق الحالة المادية والعلمية بيننا..
ولم ننجب.. فبدأت صحتي تتدهور، وأصبت بقرحة بالمعدة وذهبت إلى أحد الأطباء بالعائلة ليعالجني، وهو متزوج وزوجته طبيبة، ولديه طفلان.
ومع
الأسف انجذبت إليه بشدة! وجدت فيه كل ما أتمنى؛ الرجولة المستقلة، الحنان،
العلم.. حتى بدأ يشعر بهذا الانجذاب وانجذب إليّ، وباح لي بحبه، وبدأنا
نتحدث هاتفيًّا كل بضعة أيام.. كلام الخطاب الذي يحمل كل مشاعر الحب
النظيف، لم نتحدث عن أي كلام خارج مطلقًا، ولم نتقابل إلا في محيط أسري،
وبالرغم من ذلك كنت أشعر بالذنب الشديد لحُرمة ما أفعل.. وكان يقول لي إننا
لم نخطئ، فقط العلاقة بيننا مكالمات..
ولكني لم أستطِع استكمال
علاقتنا هكذا، فسألته: "ما آخر هذه العلاقة؟"، وتمنيت لو يقول لي الزواج،
وأن أترك زوجي، ولكن فوجئت به يقول لن أستطيع الزواج منكِ لأن زوجتي مريضة
ولا أستطيع أؤذي أبنائي، وحاولي التقرب إلى زوجك، فطلبت منه البُعد،
فلاحقني بالهاتف وبإيميلات الحب والغرام..
أنا الآن غيرت كل شيء؛
الهاتف والإيميل.. ولكن يا سيّدي أشعر بعذاب شديد لفراقه! بدأت في حضور
دروس في الجوامع، وأتقرب إلى الله أكثر، ولكن صورته وكلماته لم تفارقني
لحظة.. ماذا أفعل؟
لا تحكم عليّ بأني زوجة خائنة، ولكن القدر وضعني
في هذا العذاب.. هل أطلب الطلاق من زوجي؟ ولكن أهلي والناس لن يرحموني،
والله يا سيّدي أحبُ هذا الطبيب من كل قلبي، فهل يا ترى أحبني هو كما
أحببتُه؟ كيف أعرف ماذا أفعل بحياتي.. بالله عليك أرشدني إلى الصواب،
وجزاكم الله خيرًا.
ronصديقتَنا
العزيزة.. ومَن منا لا يحصل على كل ما يحب؟ إنها الحياة يا صديقتنا، وأنتِ
سيدة عاقلة تعرفين الحياة جيدًا، وأربأ بكِ أن تكون نظرتكِ إلى الحياة
قاصرة إلى هذه الدرجة!
لا بد أن تفكري بعقلك، وأول ما ستستنتجيه أن
هذه العلاقة محكوم عليها بالفشل، ومكتوب عليها كلمة النهاية من قبل أن
تبدأ. وأستغرب كيف سمحتِ لقلبك ومشاعرك أن تتهور إلى هذا الحد؟! فمهما كان
فإن لزوجك عليك حقًّا، ولم يكن يجدر بك أن تخونيه من البداية مهما كان
ومهما كنتِ، ولو وضعتِ نفسكِ مكانه لاستشعرتِ خطورة ما فعلتِ..
إما
إمساكٌ بمعروف أو تسريحٌ بإحسان، إما أن تكوني زوجته بما يرضي الله وإما
أن تطلبي الطلاق منه بإحسان أيضًا، فليست الخيانة واردة تحت أي مسمى..
ولكن..
-نعَم، هذه الحروفُ الثلاثة- ولكن رسالتكِ تشي بأن قلبك لا يزال طاهرًا
وقد استطعتِ أن تتوقفي قبل حافة الهاوية، واستشعرتِ بروح المؤمن أن ما يحدث
خطأ لا يجب أن يستمر، وكنتِ جادة فسألتِه عن نهاية علاقتكما، وبدا رأيه
واضحًا قاطعًا كحد السيف، أحييك على وقفتكِ ويقظة ضميرك..
وأريد أن
أنتقل بك نقلة أخرى.. نقلة من الرضا بالحياة على أي وضع إلى السعادة بها،
رحلة البحث عن متعة الحياة، وإلقاء الضوء على ذلك الجانب المظلم من حياتك؛
فلعل فيه ما يسعدك ولا ترينه!
نعم عن حياتك مع زوجك وفي بيتك، لو
حاولتُ أن أحصر المفردات التي تحدثتِ بها عن زوجك لوجدتُها تنحصر في إرغام
وإجبار على الزواج، ومشاعر باردة، وهجر متبادل.. والنهاية الطبيعية تدهور
في الصحة، وقرحة في المعدة، وربما اكتئاب.. أفلم تفكري في إذابة جبال
الجليد هذه بينكما، ومحاولة التصالح مع الحياة؟ لماذا حصرتِ زوجك فقط في
خانة المُحايد والعنصر الخامل، وحصرتْكِ نفسُك في خانة "مُكرَهٌ أخوك لا
بطل"، ونجحتِ ببراعة أن تحولي حياتكِ إلى جحيم، ليس بمحاولاتك المضادة،
ولكن بسلبيتك التي هي أخطر ربما من المشكلات التي كان يمكن أن تفتعليها لو
أنكِ أرغِمْتِ على شيء، أنتِ انسحبتِ بهدوء من الحياة، وقبلتِ الأمر الواقع
ببرود (كما وصفتِ أنت الأمر)، ولم تحاولي الإصلاح ولا حتى التعامل، ولا
حتى الفرقة، أنتِ فقط تقبلتِ رجلاً مثل أخيك في حياتك، ورضيتِ بعدم تقرب
أحدكما إلى الآخر، وقبلتِ بأن يحاول الفارق الاجتماعي بينكما، ويحقق مصالحه
التي كان يسعى إليها، وتركتِ نفسك نهبًا للأمراض النفسية والعصبية،
باختصار هدمتِ حياتك وظللت بين الأنقاض لا تقومين حتى بالبكاء..
أخطأتِ
كثيرًا في حق نفسك، وسيحاسبك الله على ما اقترفتِه بحق قلبك وسنوات عمرك
من هدم مستمر، ما الفارق بينكِ وبين المنتحر إذن؟ ألا ترين أنكِ تقتلين
نفسكِ ولكن بالتدريج؟ تسحبين روحكِ من جسدك بهدوء حتى تفارق الحياة ولا
يشعر بها أحد..
جيد يا صديقتنا أنك تملكين الوعي وتُقبلين على فعل
الخير، ولكن صدقيني كلُ هذه خطوات على الطريق وليست الطريقَ نفسه، الطريق
الذي يبغيه الله للعباد هو: "فلنحيينه حياة طيبة ولجزيننهم أجرهم بأحسن ما
كانوا يعملون" شِقان؛ سعاة الدنيا، وسعادة الآخرة، وأنتِ بعبادتك وتقرُبك
إلى الله وحضورك دروس العلم فعلتِ شيئًا كبيرًا..
ولكن يبقى المحور
الأهم وهو تحقيق السعادة، وهذه لا تتحقق إلا بالتصالح مع النفس ومحاولة
تحصيل أسبابها، وبيتُك وزوجك بعضٌ من هذه الأسباب..
يجب أن تتقي
الله في زوجك فهو يتعذب مثلكِ تمامًا، فكرتِ فقط في أنك تتألمين ولا تجدين
ونيسًا، ونسيتِ أنه أيضا يشكو الأمر نفسه، وربما بسوء المعاملة المتبادلة
بينكما نسي كلٌ منكما وجود الآخر في حياته، وهو ذنب تتحملانه سويًّا، ويجب
أن تكفري عنه في أسرع وقت..
يجب أن تعودي إلى زوجك وتخلقي جوًّا من
المودة والرحمة التي أمرنا الله بها في كتابه الكريم، يجب أن تحاولي يا
صديقتنا أن تغرسي أشجار الحب في حياتك وحياة زوجك؛ فثمارها لكما وحدكما،
وظلها سيخفف عنكما هجير الحياة وحر الوحدة والوحشة، يجب أن تسعيْ لكسر
الحاجز بينكما لتكتمل سعادتك وتُرضي ربكِ الذي جعل رضا الزوج شرطًا في رضا
الله، فقد قال رسول الله: "ما من امرأة تبيت وزوجُها عليها غضبان إلا
لعتنها الملائكة حتى تصبح"، أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
حاولي
وستنجحين بإذن الله، وثقي أنك بالفعل تحتاجين إلى حنان زوجك وهو يحتاج إلى
حبك، مهما كابرتُما وأظهرتُما العكس، فالحب مفتاح كل باب، أسأل الله أن يتم
عليك نعمة السعادة وأن يرزقكِ الخير كله وأن ييسر لك كل عسير، وأن يرزقك
الحب في الدنيا، والجنة في الآخرة.. آمين.