أنا عندي مشكلة أرجو إنكم تفيدوني فيها.. أنا بنت عندي 25 سنة، وعندي أخت
أكبر، منفصلة عن زوجها، تعيش معنا في المنزل، وعندها ابن في المرحلة
الإعدادية.. أنا لاحظت إنه بيبصّ عليّ وأنا نايمه لأنه بينام معايا هو
ووالدته في نفس الغرفة؛ بس قلت لنفسي: يمكن بيتهيّأ لي؛ لحد ما حصلت
الكارثة، واكتشفت إنه بيبصّ عليّ وأنا في الحمام باخد شاور، ومن ساعتها
وأنا في ذهول، مش عارفة أقول إيه، ولا أعمل إيه، ولا أقول لوالدته..
الموضوع محرج جداً، وفي نفس الوقت عايزة الحل الصح علشان يفهم إنه ده غلط.
mmoonnyأختي
الكريمة، أعلم مدى صدمتك وخوفك عليه ومنه؛ ولكن دعينا نتحدث بشكل واقعي
لحل المشكلة دون تهوّر ودون استهتار أيضاً؛ فما حدث من ابن أختك ليس
هيّناً؛ فخوفك منه أو اشمئزازك منه سيوتّر العلاقة ولن تُجدِيَ نفعاً في
البداية على الأقل؛ ولكن أرجو أن تذكري أنه في فترة المراهقة التي يبدأ
فيها الإنسان توديع الطفولة والتدرّج في سلّم نموّه، ومن ضمن ما ينمو في
تلك المرحلة التي تتسم بالصراعات والتقلّبات والفوران، المساحة الجنسية.
لذا
أجد أن هناك عدة تفسيرات لما يحدث منه؛ من هذه التفسيرات ما هو في مساحة
الطبيعي، ومنها ما هو في مساحة المرض أو الانحراف السلوكي، الذي يبدأ ظهوره
بشكل واضح في بدايات سنّ المراهقة، وسأبدأ بالمساحة الطبيعية، التي أتصوّر
أنه فيها إن شاء الله؛ حيث إنه في سن حرجة، فيها الكثير من التغيرات على
مستوى التفكير والعاطفة والهرمونات وشكل الجسم وغيره.
فهو للمرة
الأولى في حياته يشعر بالميل الفطري للجنس الآخر، ويحاول أن يكتشف الجنس
بنفسه؛ لأننا لا نتحدث مع أولادنا في تلك المساحة بشكل علمي وشرعي في إطار
من الاحترام والجدّية، ونجد أن غالبية الأهل يتجاهلون هذه المساحة، أو
يوحون للأولاد أنها مساحة العيب والخطأ، أو أنها مساحة غامضة أو خطيرة،
والبعض يربّي أبناءه على أنها مساحة قذرة، والكل يا صديقتي على خطأ كبير؛
فالسلوك الجنسي ليس مستقذراً، ولا حراماً، أو عيباً؛ ولكنه سلوك أراده الله
سبحانه وتعالى أن يكون موجوداً في البشر؛ لأن له دوراً مهماً في الحياة
وهو السلوك الوحيد الذي يكون بين بشر وبشر لينتج بشراً!
ولأنه مهمّ
وغال، كان لا بد أن يكون له ضوابط وحدود ووقت مناسب، ويسبقه اختيار مناسب
لشخص مناسب، وكان لا بد أن يكون له قوّته وإغراؤه ليتحقق التجاذب؛ وبالتالي
يتحقق الغرض الأكبر، وهو إعمار الأرض.
ولكن بسبب عدم وعينا
وإدراكنا الحقيقي للمساحة الجنسية الطبيعية في حياتنا، أو بسبب خوفنا
المزيّف وغير المبرر، أو بسبب ما نحمله من ميراث ما تربّينا عليه؛ نجد
أنفسنا نتحاشى تلك المساحة من حوارنا مع أولادنا؛ فيجد الابن نفسه تائهاً،
ولديه فضول للتعرف على تلك المساحة، وأسئلة تملأ رأسه، وكل من حوله لن
يعطوه فرصة الفهم والنقاش السليم والعلمي والمحترم؛ لأن العلاقة من الأساس
بين الابن ووالديه -غالباً- ليست علاقة صداقة وودّ واحترام وإنسانية؛
فيضطره فضوله للتعرف بنفسه كلما سنحت له الفرصة، أو من خلال طرق أخرى
مساوئها كثيرة؛ كالإنترنت، والمجلّات، والأصدقاء الذين يخترعون أساطير
غريبة، ويتشدقون بقصص عجيبة، ولا يجد من يصحح، أو ينصح، أو يوضّح؛ لأن تلك
المساحة مكتوب عليها ممنوع الاقتراب.
فتخيّلي معي هذه السن مع عدم
المتابعة التربوية الجيدة مما يراه في كل مكان،أو يفهمه خطأً، مع وجود ضغط
الشهوة والميل تجاه الجنس الآخر؛ فماذا ستكون النتيجة المتوقعة؟
أعلم
أن تلك القصة تخصّ أختك، التي يجب أن يكون دورها معه كأم أكبر منك بكثير،
وأتصور أن ضغط طلاقها النفسي يؤثر عليها وعلى الأولاد وأولهم ابن أختك
المراهق؛ ولكنني أجدك خالة جيدة، تعي ما قد يدور حولها، وتسألين قبل أن
تتصرفي؛ فهنيئاً له بك يا صديقتي.
وسأكمل حديثي عن تفسير سلوكه قبل
أن أقترح عليك ما يمكنك عمله؛ فالتفسير الآخر الذي يخصّ المساحة المَرَضية،
يعود لما نسمّيه باضطراب التفضيل الجنسي، وهو نوع من أنواع السلوك المنحرف
في الجنس؛ حيث نجد أن بعض الناس لا يُستثارون إلا بشعور معيّن أو برؤية
أمور معينة أو التعرّض لأمور معيّنة لا داعي لذكرها، ومنهم من يُستثار
برؤية الشخص عارياً أو وهو يتغوّط؛ بل قد نجد أن هؤلاء الأشخاص لا
يُستثارون تحديداً إلا عندما يكون الطرف الآخر -الذي يتمّ التلصّص عليه-
غير منتبه؛ أي كلما كان في غفلة وغير منتبه، كانت إثارته أعلى.
وقد
يعود هذا النوع من الاضطراب لطريقة التربية والتعامل مع الطفل منذ صغره، أو
مشاهدته لأمور لا يجوز أن يراها في مثل سنه؛ فيقوم بالتقليد، وقد يرجع
لسبب نفسي لا علاقة له بالمساحة الجنسية؛ ولكن التعبير عنها يكون بالتلصّص
الجنسي وغيره من عجائب الحالات.
ووجدنا أن هناك نوعاً من أنواع
المرض النفسي الشهير باسم الوسواس القهري؛ اسمه وسواس النظر للعورات، وفيها
يكون الشخص مقهوراً قهراً على النظر إلى عورات الأشخاص؛ حتى وهم يرتدون
ملابسهم، ولا يستطيعون تفادي هذا برغم كونهم كارهين جداً لذلك، ومتأكدون من
سخافة وعدم جواز مثل هذا؛ ولكنهم يكونون مقهورين لذلك ويُشفون بالعلاج
الدوائي والسلوكي.
والأمانة تقتضي أن أوضّح لك أن من يقعون في
المساحة المَرَضية هذه، في الغالب يعانون اضطرابات أخرى يمكن ملاحظتها؛ فلم
نجد من يعاني اضطرابات التفضيل الجنسي ولم يكن يعاني اضطرابات أخرى.
وحتى
لا نضخّم أمراً ولا نهوّنه؛ فهناك عدة اقتراحات أقترحها عليك لعلاج هذا
التلصّص بشكل ذاتي يتطلب منك وقتاً وجهداً يستحقّه منك ابن أختك:
-
عدم فضحه أمام أمه ما دام لا يزال يتخفى فيما يقوم به؛ ولكن لو تعدّى الأمر
هذه المساحة؛ فسأنتظر منك الحديث عن أي تطورات لنضع لها العلاج المناسب
الذي قد يتطلب المواجهة.
- التقرب منه، وتوفير مناخ صداقة وراحة في التعامل معك.
-
التأكيد على كونك الخالة التي يجب التعامل معها بضوابط برغم وجود مساحة
الصداقة والقرب؛ وكأني أريد أن أقول: أن تحققي معه معادلة الحب والاحترام؛
لتكوني الشخص الذي يُكنّ له الاحترام والتقدير؛ ولكنه يحبه ويعود إليه حين
يتعرض لمشكلة أو يحتاج لرأي أو مساندة في نفس الوقت.
- أرجو أن
تلاحظي ملابسك التي ترتدينها في المنزل؛ خاصة عند نومك، والتأكد من عدم
ارتدائك لملابس شفافة، أو كاشفة، أو ضيقة. وإحكام غلق باب الحمام عليك
أثناء استحمامك؛ فملاحظته لتلك التغيرات دون حديث مباشر ستكون رسالة قوية
له لم يكن يتصوّرها، وقد تردعه.
- زيادة البرنامج الإيماني،
والتقرّب من الله سبحانه وتعالى؛ حتى يتوغل في ضميره مراقبة الله سبحانه
وتعالى في السرّ والعلن، ويجب أن يرى ذلك في تصرفاتكم؛ ليكون لديه القدوة
التي تشجّعه.
- من المؤكد أنه يعاني بسبب فراق والديه، وتغيير حياته
المادي والاجتماعي والسكني والتعليمي.. إلخ، والذي بالطبع سيكون له أثر
نفسي عليه؛ لذلك كلما عوضناه بالرعاية والاهتمام واحترامه واحترام شخصيته
وآرائه، كان أفضل بكثير لاستقراره واستقامته.
- كلما كان مشغولاً في
أية رياضة يمارسها بشكل منتظم، ساعد ذلك كثيراً في تخفيف أعبائه النفسية،
واستقرار شخصيته وانضباطها؛ حيث تعمل ممارسة الرياضة على تنظيم تنفيس
الطاقة، وتعمل على تنظيم الوقت والجهد، وأفضل لصحة الجسم والذهن، وبالتالي
استقراره وراحته.
- يمكن القيام مع تلك الخطوات بالحوار معه عن
حقيقة الرجولة، وشهامة التصرفات، والتأكيد على النجاح الدراسي؛ ولكن دون
وعظ مباشر أو بطريقة غير مقبولة.. وفي تلك السن يهوى الابن قصص النجاح
والبطولة والرجولة؛ فكلما حدّثناه عن تلك الشخصيات مع ربطها بالاستقامة
والأدب، كان لها أثر أفضل، وكلما كانت الشخصيات الناجحة والمحترمة -التي
يقدرها الناس- شخصية قريبة منه أو يراها ويتعامل معها، كان أفضل.
وسنجعل خطوة انتقاله من النوم معكِ في حجرة واحدة خطوة لاحقة، بعد أن نرى نتائج ما تحدّثنا عنه؛ لنقرر متى وكيف ستكون.
أعلم
أنها مهمة تربوية بالدرجة الأولى؛ ولكن اهتمامك جعلني أرشّحك للقيام بتلك
المهمة برغم وجود والدته، التي من المفترض أن تكون على الأقل في الثلاثين
من عمرها؛ حيث النضوج والقدرة على الرؤية؛ فلو وجدتِها قد تخطّت أزمة
انفصالها، ولها درجة وعي تُشجّعك على توجيهها للتعامل مع ابنها بشكل مختلف
دون فضحه؛ فلا بأس؛ بل من المفيد جداً أن تقوم بتلك المهام التربوية لتنجو
بابنها من تخبّطات الحياة؛ ليكون رجلاً ناجحاً وسوياً.