. أنا فتاة عانت من قسوة الحياة كثيراً.. قسوة الأصدقاء
وخيانتهم.. وقسوة الأحباب وفراقهم.. وأخاف معاناة هذا ثانية.
خطيبي
إنسان غيور بكل معنى الكلمة، من يوم خطوبتنا يمنعني من رؤية أصدقائي ومن
رؤية أقاربي.. يُملي عليّ ما الواجب أن أفعله وما لا يجب أن أفعله.. يحبني
إلى درجة الجنون ولا يريد من أحد أن يراني.. أسأله لماذا؟ يقول لي أنت
جميلة وأريدك ملكاً لي وحدي.
في البداية ظننت أن الجمال نعمة؛ ولكنه
بات لي نقمة.. أصبحت لا أريد وجهي في المرآة، لا أستمتع بالحياه كأي فتاة،
يحرمني من لذّتها؛ حتى أنه الآن في يؤدي الخدمة العسكرية -أي يمكنني أن
أرى أقاربي من ورائه- لكنه لا يترك لي فرصة وأشعر أنني لو فعلت ذلك؛ فهذا
حرام.
لو اكتشف أن صديقة من صديقاتي تحبني كثيراً يغار منها، ويمنعني من الحديث معها، ويسمح لي فقط بالتحدث إلى ابنة خالتي.
أخاف
أن يكون حبه لي حباً للمظهر فقط.. يقول لي أنت ملاك، لديكِ كل الصفات التي
كنت أبحث عنها؛ مع العلم أنه يثق فيّ؛ لكنه يخاف عليّ من الهواء.
ماذا
أفعل معه؟ أحبه ولا أريد تركه والمعاناة من الفراق لأني لا أستطيع أن أحيا
بدونه.. حاولت تغيريه ولكن لم أُفلح.. يخرج معي أحياناً، ويحوّط على
بذراعيه كأنني سأهرب.
أفيدوني أفادكم الله.
smartقصتك أشبه بالدُّبّ الذي أراد أن يعبّر لصاحبه عن مدى حبه له فاحتضنه بقوة فقتله!
الزواج
مؤسسة قوية تقوم على تبادل الثقة بين الطرفين؛ فيعيش كل منهما وهو هادئ
البال مطمئن إلى شريكه في الحياة، وهذا الاستقرار النفسي أهم شيء في
العلاقة الزوجية، فتشعر الزوجة بالأمان مع زوجها، ويؤدي الزوج عمله وهو
متفرغ له لأنه وجد السكن عند زوجته، قال تعالى {وهو الذي جعل لكم من أنفسكم
أزواجاً لتسكنوا إليها}.
وحتى نصل إلى تلك الدرجة من الهدوء
والطمأنينة تكون بداية العلاقة قائمة على هذه الثقة الناتجة عن الوضوح
والصراحة؛ فكل طرف فيها يرضى عن الآخر في أخلاقه وطريقة حياته وتصرفاته.
وخطيبك
حينما أتى لخطبتك من المُفترض أنه يختارك أنت لشعوره أنك بنت ناس، وعلى
خُلق وتربية سليمة؛ لأنك ستحملين اسمه وستربّين أولاده.
ولذا فإن
الغيرة الشديدة لديه هنا قد تكون ناتجة عن حبّ التملك، وهي غريزة تبدأ عند
الإنسان وهو طفل؛ ولكنها تزداد عند بعض الأشخاص وتنمو معهم بسبب نقص
الرعاية والاهتمام بهم وتعبير من حولهم عن الحب.
يقول الأديب الكبير إحسان عبد القدوس في قصته الخيط الرفيع "بين الحب والتملّك خيط رفيع... إذا ما تبيّنته كشف لك الفارق الكبير!"
وأصحاب
هذا الشعور يحيطون حياة الطرف الآخر من كل اتجاه بلا داعٍ لهذه الغيرة،
ويسيطرون عليه كلياً من التحدّث مع أي شخص، ويقفون عقبة في طريق نظرات أي
شخص له؛ وكأنه أصبح امتلاكاً شخصياً، وليس إنساناً من حقه الاستمتاع بحياته
المباحة، والأهم من ذلك التنفّس بحرّية؛ طالما أدى الواجب الذي عليه.
ولذلك
فإني أرجو ألا تكون غيرته قد تشكّلت من خلال موقف تجاوزت فيه مثلاً مع أحد
الأقارب، أو حَدَثٍ قديم جعله غير مطمئن عليك،أو من طريقة تعاملك معه؛ فحب
الخطيب يزداد واطمئنانه مع خطيبته أكثر عندما تتحفظ معه هو أيضاً؛ لأن
فترة الخطبة هي وعد فقط بالزواج، والشرع لا يسمح بالخلوة سواء داخل البيت
أو خارجه؛ فما بالك عندما يحوطك بذراعيه عندما تخرجون؛ فإذا لا قدر الله لم
تتم الخطبة؛ فأنت وحدك من سيتضرر بتلك التجاوزات عاطفياً واجتماعياً.
وربما
يتشكك في سلوك صديقتك أو يستفزه شيء ما فيها؛ بدليل أنه في النهاية تركك
تتحدثين فقط مع ابنة خالتك فقط، إذن ما الداعي إلى حرمانك من الباقين؟
أما
إذا كان هذا هو سلوكه -دون أي عامل آخر من جهتك أو من جهة أحدهم جعله شديد
الغيرة هكذا- وأنك بالفعل تتعاملين بحدود مع من حولك؛ فلا تفكّري في
تغييره لأنه لن يتغير أبداً حتى لو حاول التظاهر بذلك في فترة الخطبة لبعض
الوقت.
حدّثي نفسك بصراحة وبمنتهى العقلانية؛ هل فعلاً تحبينه هو
ويمكنك التكيّف معه ومع صفاته الأخرى؟ وهل مميزاته تليق بأن تجعلك ترضين به
زوجاً لبقيّة حياتك بكل تفاصيلها ومشاكلها بلا أقنعة تجميل أو رومانسية
قبل الزواج؟ لأن الخطوبة والحب يجعلان من تحكّمه الآن خيوطاً محتملة لن
تشعري بآلامها إلا عندما تجدينها في تفاصيل أيامك حبالاً من نار تنسج جحيم
حياتك.
أم أن إحساسك بأنك لا تريدين المعاناة مرة أخرى سيجعلك
تضحّين ببقية حياتك، وربما جاء الفراق متأخراً وصحب معه معاناة أشد ودماراً
قاسياً.
فإذا كنت قد قررت أنك لا تستطيعين الحياة بدونه؛ فعليك أن
تكوني واضحة في تصرفاتك معه ومع غيره؛ فالحدود التي تضعينها سوف تُلجم كل
من ستسوّل له نفسه التجاوز معك، ولا تفعلي أبداً شيئاً يضعك في موقف سيئ
أمام نفسك -ونفسك أهم شيء- لأن قوّتك وإحساسك بأنك تسيرين في الطريق الصحيح
سينعكس عليك وعلى علاقتك معه... وستجدين نفسك -مهما حدث بعد ذلك- تقولين
أنا لم أخطئ في شيء، فتشعرين بالراحة تجاه نفسك.
والحوار مع خطيبك
يكون واضحاً وحازماً بعض الشيء؛ بأنك لا ترتاحين لتلك الغيرة التي تقيّدك
في كل شيء، وأنها تضيع فترة جميلة في علاقتكما وتؤثر عليك بالسلب بلا داعٍ؛
لأن المفروض أنه يثق فيك، وأن تصرّفاتك دوماً سليمة؛ حتى لو أخبرك أن هذا
بدافع حبه؛ فإنك في النهاية إنسانة من حقها التنفس والشعور بحرّية معقولة
تحددها المبادئ السليمة، وليست شيئاً امتلكه ومن حقه إغلاق صندوق عليه.
وهناك
قصة حقيقة كنت قد تعرّضت لها في إحدى الكتب لزوجة تشتكي من زوجها مُرّ
الشكوى، فغيرته المفرطة جعلته لا يتركها تزور أقاربها، ويراقب كل تصرفاتها؛
حتى ضاقت بها الحياة وأصبحت تصفها بالجحيم ذاته، حتى أن المشكلة وصلت
لبائع الخضار، وهي الآن تصرخ طالبة الانفصال وإلا أصابتها الهلوسة والجنون.
وهذه الغيرة المذمومة أشار إليها النبي في حديثه الشريف: "إن من الغيرة، غيرة يبغضها الله، وهي غيرة الرجل على أهله من غير ريبة".
وفي النهاية أتمنى لك الاستقرار في حياتك بعيداً عن المعاناة والألم