قصة القضــــــــــــــــاء
قبعت داخل ذاتي... تحاصرني الهموم , انعي سنوات الغربة , التي تبعدني عن عبير الوطن , المسافة بين (امريكا) والدمام بعيدة , نختصرها في مكالمة , استعرضت ملامح الشقة في (نيويورك) وقمة الحضارة المتشتتة داخلي , يجاورها البؤس يتطفل عليها من خلالي , المجتمع هنا اقتص مني لنوالفه , يضمني المصعد الى الطابق السادس عشر او العكس ....... تذكرت منزلنا الرحب بالدمام – لا نقبع خلف القمم البارده – تذكرت العائلة وضجيجها وصخبها , اصدقائي محدودين من جنسيات مختلفة , لا أحاول التغلغل حتى لا أفقد شرقيتي .
انهيت محاضراتي , جاءني صوت اخي الكبير نواف المكالمه المعهودة اطمئنيت على الجميع وركزت على الوالدة التي تتراقص صورتها فوق عيناي دوما لم اراها منذ ردحا من الزمن الا انها تعيش داخلي , قال : انها نائمة , وهي بخير وصحه جيدة , ارتحت الى حد ما .
راودني التفكير فيها وتذكرت اخر مره قبلت قدميها قبل ان اغادر المملكة , قلت لها دعواتك يا أمي , رأيت منها نظرة طويلة امتدت من اخمص الارض الى عنان السماء او يزيد , شعرت انها تريد ان تخبرني بشئ ما , بسبب انغلاق تفكيري لم اعرفه , ولأنني اخر الابناء فكنت المدلل المفضل , وعند المرحله الرابعه الابتدائي ارتحل ابي ولم اتعمق به كثيرا . كنت ارى صورة امي في الكتاب واطلب منها ان تدعي لي .
جاءتني خاطرة مفاجئه في احدى الليالي وبكيت على ابي ... بلا مقدمات وتكاد تكون المرة الاولى .. مما جعلني افكر في والدتي بصورة بشعه , وكأنني لم اراها مرة اخرى , وتذكرت انني كل مرة منذ فترة لم اكلمها واخوتي يكررون نائمة بخير في الحمام , تتكلم بالهاتف . اجتاحتني عاصفة غامضة .
حجزت على اول رحله مع الانتهاء من اخر مادة امتحنها , مما اثار حفيظة زملائي , ربطت حزام المقعد , القيت بقطعه من العلك داخل فمي , تشغلني من خوف لحظة الاقلاع , اغمضت عيناي تنآئى الى سمعي مقاطع من القرآن الكريم ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا..................)
استدرت الى نافذة الطائرة حاولت منع بعض قطرات الدمع بلا طائل , اجهشت بالبكاء . لفظتنا الطائرة كأجنة اكملوا شهرهم التاسع , انتظرت في ترانزيت مطار جدة , هناك فسحة من الوقت , اتصلت بالمنزل لم يرد احد مما رفع معدلات القلق لدي ,
دلفت داخل سيارة الاجرة , مسحت عيناي الشوارع والمنازل والناس , وبقايا قطرات الربيع العالقة , شعرت بالأنتماء وولادتي من جديد ,
فتح عم ابراهيم الباب بأستغراب شديد وسط دهشة غامرة , حمد لله على السلامة استاذ عبد الاله , اخذته بالاحضان , او هو اخذني لا أدري ,
تأملت الفيلا وكأنها قبر ميت , بدأت الارض تميد تحتي عندما علمت ان العائله كلها ذهبت لقضاء الصيف في فرنسا وكاد ان يغمي علي عندما اودع اخي الكبير والدتي في دار المسنين .
استقليت سيارتي الدور الثالث غرفة 106 تجلس على كرسي متحرك وليس معها احد وقعت على الارض اقبل قدميها وانتحب , مدت يدها اليسرى لتلامس شعري لم استطع ان انظر الى وجهها تمنيت لو الارض ايتلعتني او اصابتني صاعقة او مت قبل هذا وكنت منسيا , قبلت يداها ووجنتيها , وحملتها بين يداي , استدعت الممرضة رجال الامن , اطلقت صرخة محملة بالبكاء افزعت الجميع والدتي لن تظل ثانية في هذا المكان .
لم اشعر بنفسي او بمن حولي , وضعتها داخل السيارة برفق , ارخيت المقعد لتتمدد عليه .... ولاول مره اقود السيارة برفق , فتح عم ابراهيم الباب بنظرة حائرة واتسع نطاق دهشته ’ حاول مساعدتي . رفضت بشدة , ادخلتها غرفتي محاولا عدم النظر الى وجهها , وضعت يدي على راسها امسحه برفق حانت التفاته غير مدروسه الدموع تتسلل من عينها ,
ادخلتها الحمام , ووضعتها في الحوض , واسندتها على زراعي , فتحت صنبور الماء الدافئ , هطل ينعاني ....ويشكرني ,, جففتها بالمنشفه وابدلت ملابسها , تعاقدت الدموع معي بمعاهدة لا تنطفئ .... تبعثرت الكلمات داخل فمي , لم اجد كلمات في اللغة العربية اقولها لأمي .
بدأت اطعمها مع كوب اللبن الدافئ ......... شعرت بسعادة عندما لاحت الابتسامه على شفتيها ,,,,,وضعت قربة الماء الدافئ تحت قدميها , جلست بجانبها الى ان نامت .
ايقظني صليل الهاتف صباح اليوم التالي , كان اخي نواف قال لي : حمد لله على السلامه , اتصلت عليك بالشقة لتأتي مباشرة الى فرنسا , وجدت زميلك فؤاد قال انك سافرت . المهم السكرتير سيقطع لك التذكرة الى هنا . الجو هنا رائع جدا جدا , والعائله كلها بخير , وبالمناسبة نسيت ان اخيرك , الوالدة اصبحت مقعدة , ولا تتكلم وتحتاج الى عناية كبيرة وانت تعرف اخوانك ولذلك اودعتها دار المسنين . وارجو منك ضروري ان تمر عليها لزيارتها وهي تعلم كم تحبك . و أغلقت السماعة .