باكلم نفسي وباخاف حد يسمعني
أنا عندي 15 سنة وفي سنة
أولى ثانوي.. عندي مشكلة غريبة شوية، بس بقالها فترة كبيرة وأنا ماخدتش
بالي منها غير قريب؛ لما زادت أوي أوي عندي، أنا باكلم نفسي كتير جدا،
وساعات بافوق كده ألاقي نفسي بقالي كتير باتكلم، وباعمل حوارات مع نفسي،
وماحدش موجود.
وطبعا لما بدأت آخد بالي بدأت أحاول ماخليش حد
ياخد باله، بس الموضوع بجد بيريحني؛ يعني أي موضوع بابقى نفسي أقول حاجة
لحد أو أتخيل أي شخص بالصورة اللي نفسي فيها، وباقعد أعمل حوارات مع نفسي،
وبجد موضوع بيبقى تلقائي مش مترتب غصب عني.
بقيت على طول باكلم نفسي وباخاف حد يسمعني، لما
بدأت ألاحظ إن الموضوع كبر جدا فبقيت باخد بالي لو حد مثلا سمعني أقول لا
باذاكر باسمّع لنفسي أي حاجة، وبجد أنا مش عارفة الموضوع ده يعني إيه؛ بس
مافيش حد بيكلمني أو باسمع صوت حد مثلا أنا اللي باعمل كده جوايا، والموضوع
بيبقى تلقائي جدا؛ بس إني أكلم نفسي عشان بابقى فاهمة نفسي أحسن من لما
أتكلم مع الناس أو مع أي حد.
بس أنا مش عارفة الموضوع ده غلط ولا خطر وهيزيد
بعد كده؟؟ طيب أتحكم فيه ازاي؟؟ مع العلم إني مابارتاحش ومش بحب أتكلم مع
حد كتير؛ فده أفضل حال لي وأنا مبسوطة بكده؛ علشان بصراحة أنا عمري ما هاضر
نفسي أو هاقول لحد حاجة أو هافهم حاجة جوايا غلط؛ فعلشان كده أنا مش عارفة
أتصرف ازاي. معلش طولت، وبجد باشكر الموقع جدا جدا على الحاجات اللي رديتم
عليها قبل كده
أهلا بك يا ابنتي.. أولا أحب أن أطمئنك على نفسك كثيرا فاهدئي؛ فما
تتحدثين عنه يعرف علميا باسم "أحلام اليقظة"؛ وهي أحلام نحلم بها ونعيش في
تفاصيلها؛ ولكنها تختلف عن أحلام النوم بأننا نكون مستيقظين، وأحلام اليقظة
قد تكون أحلاما بأشخاص نعرفهم أو لا نعرفهم، وقد تكون أحلاما بمواقف
مررنا بها سابقا فنعمل على تعديلها كما كنا نتمنى أن يحدث، أو مواقف
نتخيلها من أولها لآخرها؛ كأن تحلم الفتاة مثلا بموقف تقدم عريس لطلب يدها،
أو تعامل مع حبيب أو غيره دون أن يكون هذا الموقف حادثا في حقيقة الأمر
لها، أو تكون محلا لحل المشكلات التي فشلنا في حلها على أرض الواقع.
وقد تكون أحلام اليقظة كذلك هي "الترمومتر" الذي يقيس مدى استقرار
الحالة النفسية للشخص، إذن معنى الحديث أن أحلام اليقظة قد تكون طبيعية
ومقبولة، وقد تكون معبرة عن "مرض" أصاب الجهاز النفسي للإنسان، وقبل
التفريق بينهما أودّ أن أوضح لك كذلك أن في مرحلة المراهقة التي قد بدأتها
منذ سنوات قليلة تتسم بالكثير من هذا "السرحان".
والدراسات أثبتت أن أحلام اليقظة تنتشر بين الفتيات؛ خاصة في مرحلة
المراهقة عن الشباب في نفس المرحلة، أعود فأقول: إن أحلام اليقظة ليست كلها
مساحة "شر"؛ ولكن منها الكثير الذي يعتبر طبيعيا جدا؛ بل مطلوب أحيانا،
ومنها يكون في المساحة المرضية؛ فالطبيعي منها هو الذي "ينفس" عن ضغوط
نعيشها في الواقع ولا نتمكن من التعايش معها أو حل مشكلاتها؛ فتكون الأحلام
مخرجا صحيا حتى لا تتزايد الضغوط فلا يتمكن الشخص من الاستمرار في القيام
بما يجب عليه أن يقوم به كدراسته أو عمله، أو العلاقات في حياته.
أما المساحة المرضية والتي نقلق منها وتحتاج لتدخل نفسي؛ فحين تكون تلك
الأحلام هي معظم حياة الإنسان، أي تأخذ من وقته ساعات طويلة جدا تستغرق
منه معظم يومه أو نصفه، أو حين يختلط الأمر على الشخص فيصل للدرجة التي
تجعله لا يستطيع أن يفرق بين ما هو حلم وما هو واقع، وكذلك حين تمتلئ طول
الوقت بأحلام غير مألوفة بدرجة كبيرة؛ كأن تكون كلها قتالا دمويا وعنفا
شديدا، أو كلها انحرافات جنسية غير مقبولة، أو أن يستبدل الشخص واقعه الذي
يعيشه بتلك الأحلام؛ فلا يتحدث ولا يتفاعل ولا يتواصل إلا مع أحلامه؛ لذا
كأننا نقول: "نعم للترشيد، لا للإسراف فيها"؛ وحتى تتمكني من الوصول
للترشيد يمكنني أن أقترح عليك عدة نقاط غاية في الأهمية لتفهميها يا
صغيرتي:
* أحلام اليقظة حلوة وممتعة وفيها نبتكر ونبدع وسائل وطرقا جديدة لحل مشكلاتنا.
* أحلام اليقظة يمكن تحويلها لشكل آخر غير الأحلام؛ كأن نحوّلها لكتابات
في موضوعاتها؛ فتتحول من أحلام شاردة لورق مكتوب فيه قصص كثيرة متنوعة، أو
يمكن تحويلها لرسومات مُعبرة ، أو مذكرات أو أي شيء يعجبك، فقد تكتشفين في
نفسك أنك "مشروع" كاتبة أو فنانة ولم لا؟
* يمكنك أن تحددي مكانا معينا في غرفتك تحلمين فيه؛ كأن تجعليه في ركن
معين في غرفتك على كرسي معين حتى تتمكني من تقليص وقت تلك الأحلام؛ بوضعها
في مساحة محددة بالمكان ترتبط به وكذلك بالزمان، فلا مانع أن تقومي بضبط
المنبه مثلا لمدة ساعتين؛ حتى تنتبهي بعدها على صوت المنبه بأن فترة
الأحلام توقفت حتى هنا.
* كما أوضحت لك أن حلم اليقظة هو في الحقيقة تنفيس عن ضغوط نعيشها فنهرب
من عدم مواجهتها بتلك الأحلام؛ فقد تكونين على وعي بتلك الضغوط أو لا؛
والحقيقة أن ضغط التحول من الطفولة للأنوثة وحده يعتبر ضغطا، ناهيك عن وجود
بعض المشكلات في المنزل، أو مشكلات في علاقتك مع أسرتك وفهمهم لك أو حتى
مع الأصدقاء والزملاء؛ لذلك من "الشطارة" أن تستفيدي من تلك الأحلام وما
تضعين فيها من حلول لها؛ لتنقلينها مرة تلو الأخرى للواقع فتغيري فيه، وفي
نفس الوقت تتعايشين مع الواقع بشكل أكبر.
* اشغلي نفسك بكل ما هو مفيد، واستفيدي بكل ما أوتيتِ من قوة من طاقتك
في أنشطة مفيدة، وهوايات، ورياضة، وأعمال تطوعية، وتطوير لنفسك في كورسات
لغة، وتواصل اجتماعي؛ حتى تتخلصي من انطوائك، وأي كورسات تحبين أن
تتعلميها، فكلما استفدت بوقتك في عمل فعلي كلما تقلصت الأحلام كثيرا جدا.
* لا تكرري على نفسك أنه لا أحد يفهمك وأنك قليلة الأصدقاء؛ ولكن تذكري
أننا نكون السبب أحيانا في عدم فهم الآخرين لنا وبصمتنا، فالإنسان يحتاج أن
يتفاعل مع الآخرين حتى يتعلم، ويكون له مجموعة تدعمه نفسيا واجتماعيا، فلا
تيأسي أبدا وفقك الله تعالى.
.